نعرف جميعا أن لون الضوء القادم من الشمس هو ضوء أبيض مركب من عدة ألوان أو كما تعرف بألوان قوس قزح لكن لماذا نرى لون السماء أزرق وليس أبيض أو أصفر أو أي لون آخر؟ لمعرفة الجواب علميا يجب علينا أولا أن نعرف الخصائص الفيزيائية للضوء الأبيض القادم من الشمس وكذلك مكونات وخصائص الغلاف الجوي.
ما هو الضوء؟
الضوء هو عبارة عن طاقة تتنقل عن طريق الإشعاع عبر أمواج مختلفة الطول مثل العديد من أنواع الطاقة التي تتنقل على شكل أمواج كالصوت مثلا الذي يتنقل عبر اهتزاز جزيئات الهواء، أما الضوء فهو يتحرك عبر المجالات الكهربائية والمغناطيسية.
الموجة الضوئية الواحدة هي عبارة عن جزء ضخم من عدة أمواج تسمى مجتمعة بالطيف الكهرومغناطيسي، تقطع هذه الأمواج الفضاء بسرعة تبلغ بالضبط 299792 متر\ثانية هو ما يعرف بسرعة الضوء.
يتعلق حجم الطاقة الناتجة عن الأمواج الكهرومغناطيسية بطول الموجة وبترددها، فكلما كان طول الموجة أطول كان ترددها أقل وبالتالي تنتج قدرا أقل من الطاقة و العكس صحيح.
ما هو لون الضوء؟
تتكون الطاقة الصادرة عن الشمس من مجموعة من الموجات الكهرومغناطيسية مختلفة الأطوال الموجية تنقسم إلى قسمين الأمواج المرئية وهو ما نطلق عليه إسم الضوء و الأمواج غير المرئية، يوضح الشكل السابق أنواع الأمواج التي تصدر عن الشمس حسب طولها الموجي.
الضوء هو الجزء المرئي من الأمواج الكهرومغناطيسية أي الأمواج التي يكون طولها الموجي في المجال الذي تستطيع فيه أعيننا رؤيته، الضوء القادم من الشمس أو من مصباح البيت يظهر أبيض لكنه في الواقع عبارة عن خليط من عدة ألوان والتي يمكن رؤيتها عبر فصلها عن بعضها بواسطة سطح كاسر أو يمكن رؤيتها في الطبيعة على شكل قوس قزح.
تتدرج ألوان الطيف تدريجيا حسب طول موجتها وترددها من اللون البنفسجي الى اللون الأحمر، اللون البنفسجي هو اللون ذو الطول الموجي الأصغر أي تردد أكبر وطاقة أكبر أما الأحمر فهو صاحب الطول الموجي الأكبر أي تردد أقل وطاقة أقل.
ماذا يحدث للضوء عندما يمر داخل الغلاف الجوي؟
يسافر الضوء في خط مستقيم في الفضاء وذلك بسبب عدم وجود أي عائق ليغير اتجاهه، لكن ومع مروره عبر الغلاف الجوي للأرض يتغير اتجاه وحركة الموجات الضوئية حسب طولها الموجي وحسب طبيعة المادة التي تصطدم بها، هناك عدة مواد في الغلاف الجوي يمكن اختصارها في ثلاثة أنواع: الغبار، بخار الماء والغازات وتختلف نتيجة اصطدام الضوء بهذه المواد على حسب نوع طول الموجة ونوع المادة.
تبعثر Mie:
عندما تصطدم الموجات الضوئية بالغبار وبخار الماء فأنها تتبعثر في كل الاتجاهات لكن مع ذلك يحافظ الضوء على طبيعته ولونه الأبيض وذلك لأن هذه الجزيئات ذات حجم أكبر من طول الموجة الضوئية وبالتالي فإن الموجات ذات الأطوال المختلفة تتبعثر كلها بنفس الطريقة، تعرف هذه الظاهرة بتبعثر ماي Mie Scattering
تبعثر ماي لا يسبب ظهور السماء باللون الأزرق بل يحافظ الضوء على لونه الأبيض.
تبعثر رايلي:
لكن الأمر يختلف عندما تصطدم موجات الضوء بجزيئات الغازات المختلفة فهذه الجزيئات أصغر من الطول الموجي للأمواج الضوئية، وبالتالي فإن نتيجة اصطدام الموجة الضوئية بجزيء الهواء تختلف حسب طول الموجة فالموجات الطويلة مثل الأحمر والبرتقالي وغيرها وبسبب طولها الموجي الكبير فإن أغلبها يمر عبر جزيئات الغاز مواصلة طريقها المستقيم حتى تصل الأرض، وبعضها يتبعثر و لكن بنسبة قليلة.أما الموجات القصيرة كالبنفسجي والأزرق وبسبب طولها الموجي الصغير و طاقتها الكبيرة فإنها تتبعثر في كل الاتجاهات بعد اصطدامها بجزيئات الهواء، تعرف هذه الظاهرة علميا بـتبعثر رايلي Rayleigh scattering نسبة إلى الفيزيائي الإنجليزي اللورد جون رايلغ Lord John Rayleigh أول من وصف هذه الظاهرة سنة 1871م.
هذا التبعثر للموجات الزرقاء و البنفسجية هو ما يسبب ظهورالسماء باللون الأزرق، لكن لماذا لانرى اللون البنفسجي في السماء؟
لماذا لون السماء أزرق و ليس بنفسجي؟
سؤال بديهي، فحسب مبدأ رايلي فإن الموجة ذات الطول الأقصر تكون طاقتها أكبر وتتبعثر أكثر من باقي الموجات وبالتالي فإن اللون البنفسجي صاحب الطول الموجي الأقصر بين جميع الأمواج هو الذي سيتبعثر أكثر من باقي الألوان ومنه فلون السماء يجب أن يكون بنفسجي وليس أزرق.
في الواقع فإن أمواج الطيف الضوئي عندما تصدر من الشمس لا تكون كلها بنفس الكمية فهناك أمواج أكثر إشعاعا من الأخرى و كمية الاشعاع الناتجة عن ضوء الشمس يمكن قياسها وهذا ما يعرف بطيف الاشعاع الشمسي Solar Irradiance Spectrum وهو تمثيل بياني يمثل كمية الإشعاع أو الطاقة المسجلة مقابل الطول الموجي للضوء، حيث نلاحظ بشكل واضح أن كمية الطاقة الناتجة عن اللون الأزرق أكبر من تلك الناتجة عن اللون البنفسجي، رغم ذلك فإننا يجب أن نرى السماء باللون الأزرق مع بعض من البنفسجي.
أما السبب الآخر لرؤية السماء زرقاء و ليست بنفسجية و يعتبره العديد من الفيزيائيين السبب الوحيد هو كيفية رؤية رؤيتنا للضوء، تحتوي العين على حوالي 5 مليون مستقبل ضوئي تدعى المخاريط (cones) حيث تستطيع هذه المستقبلات استقبال الأمواج الضوئية بين 380 و740 نانومتر، كل نوع من المخاريط يستقبل أو يتحسس لطول موجي معين أكثر من الأطوال الأخرى حيث هناك مخاريط أكثر حساسية للون الأزرق وأخرى للون الأخضر والثالثة للأحمر، ولكي نرى الألوان ترسل هذه المخاريط إشارات للدماغ حسب درجة تفاعلها مع الموجة الضوئية ومنه بقوم الدماغ بقراءتها معا لينتج عنه رؤية لون معين.
ورغم أن كل نوع من المخاريط الثلاثة لديه حساسية قصوى للون معين فإنه يتحسس و بشكل أقل للألوان الأخرى فمثلا المخاريط شديدة الحساسية للموجات القصيرة (اللون الأزرق) لكنها تتحسس و بدرجة أقل للألوان الأخرى مثل الأخضر، وبالتالي فإذا كان اللون الأزرق هو الموجود في الهواء فإننا سنرى لونا أزرقا مع بعض الخضرة.
لماذا يميل لون السماء إلى الحمرة وقت الغروب؟
يميل لون السماء جهة الغروب إلى اللون الأحمر أو البرتقالي والسبب نفسه الذي سبّب زرقة السماء وهو التبعثر الناتج عن مرور ضوء الشمس عبر هواء الغلاف الجوي، حيث أنه في وقت الغروب تكون المسافة المقطوعة من الضوء داخل الغلاف الجوي أكبر منها في باقي أوقات النهار و هذا ما يؤدي إلى تبعثر المزيد من الأمواج الضوئية ذات التردد الأصغر من الأزرق و تبقى فقط الألوان طويلة الطول الموجي مثل البرتقالي و الأحمر و هذا ما ينتج عنه وجود اللون الأحمر و البرتقالي في السماء وقت الغروب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق