دائما ما نسمع في وسائل التواصل قصصا و إشاعات غريبة عن القارة المتجمدة الجنوبية ككونها جدار الأرض أو محيطها أو أن بها قواعد سرية و مخلوقات غريبة، يستدل المشككون بحقيقة وجود القطب الجنوبي بشكله المعروف في خارطة الكرة الأرضية بعدم وجود خطوط طيران مباشرة بين قارات أمريكا الجنوبية و أستراليا عبر القطب.
لكن هل فعلا لا توجد خطوط طيران مباشرة عبر القطب الجنوبي؟ في الواقع من يطرحون هذه الفكرة لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث و التحري فكل ما يعرفونه يتلقفونه من صانعي المحتوى المتشبعين بنظريات المؤامرة دون تمحص أو تفكير.
تاريخ الطيران فوق أنتاركاتيكا:
قبل إستعراض أول طيران مباشر من القارة الأمريكية الجنوبية إلى أستراليا عبر القطب الجنوبي لابد من استعراض محاولات الطيران الأولى قبل ذلك:
- في عام 1902م تمت أول عملية تحليق فوق القطب الجنوبي بواسطة منطاد هيدروجين يقوده المستكشف روبرت فالكون سكوت عن القوات الملكية حيث وصل المنطاد إلى علو 250م فوق حاجز روس.
- أما أول عملية لطائرة حلقت فوق القطب فهي بقيادة الأسترالي هيبرت ويلكينز وذلك في 16 من نوفمبر سنة 1928م، الطائرة حلقت من جراهام لاند و ساعدت في البدأ لوضع خريطة للقارة البيضاء.
- أما أول طيران يعبر القطب الجنوبي فكان في 28 نوفمبر سنة 1929م من طرف الأمريكي ريتشارد بيرد إنطلاقا من حاجز روس إلى داخل القطب الجنوبي ثم العودة خلال 18 ساعة و 41 دقيقة رغم أنه سادت بعض الشكوك حول المسار الذي اتبعه بيرد و هل حقا عبر القطب كاملا.
- أول رحلة من قارة أخرى إلى القطب الجنوبي إنطلقت من ميلبورن بأستراليا و حطت في قاعدة بيرد في 30 من سبتمبر سنة 1964 م بواسطة طائرة أمريكية من نوع هيركيليس LC130F حيث بلغت مسافة الرحلة 7110كم زمن قدره 15 ساعة و 39 دقيقة.
أول رحلة في التاريخ بين أمريكا الجنوبية و أستراليا عبر القطب الجنوبي:
في 4 من ديسمبر سنة 1973 كان الموعد مع أول رحلة تجريبية لطيران مباشر من بيونس إيرس في الأرجنتين بإتجاه أستراليا مع المرور بقاعدة مارامبيو للتزود بالوقود، الرحلة كانت بواسطة طائرة هيركليس C-130 تابعة للقوات الجوية الأرجنتينية ، هذه الرحلة تم التحضير لها بعناية كبيرة و كان الهدف منها ربط القارات الثلاث في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية ببعضها و بالتالي إنشاء حركية إقتصادية جديدة.
الرحلة من مارامبيو بالأرجنتين إلى كانبيرا بأستراليا بلغت 17 ساعة و 54 دقيقة قاطعة مسافة قدرها 12300 كم، الرحلة واجهت صعوبات بسبب الرياح الشديدة في بعض مناطق القطب حيث بلغت حتى 155 كم\سا.
![]() |
مسار أول رحلة فوق القطب الجنوبي المصدر marambio.aq |
الطائرة واصلت رحلتها إلى من كانبيرا في أستراليا إلى نيوزيلندا ثم العودة إلى الأرجنتين في التاسع من نفس الشهر، و بسبب الأحوال الجوية تم تغيير خط العودة حيث تم تفادي المرور داخل عمق القطب بسبب الرياح.
تلت هذه الرحلة رحلات أخرى تجريبية من طرف القوات الجوية الأرجنتينية إلى غاية 7 من جوان 1980 حيث كان الموعد مع أول طائرة تجارية مدنية عابرة للقطب الجنوبي من نوع بوينغ 747-200 تابعة للطيران الأرجنتيني (Aerolineas Argentinas)، الطائرة إنطلقت من بيونس إيرس ثم توقفت عند ريو غاليغوس بعد ذلك تابعت طريقها مباشرة إلى أوكلاند في نيوزيلندا لتحط في آخر محطة لها في هونغ كونغ.
توالت بعدها الرحلات بين القارات عبر القطب إلى غاية آخر رحلة حطت بمطار بيونس إيرس في الأول من أفريل 2014 حيث قررت بعدها السلطات الأرجنتينية توقيف الطيران عبر القطب و ذلك بسبب عدم نجاعتها إقتصاديا و ذلك بعد 34 سنة من الطيران المتواصل بين القارات عبر القطب الجنوبي.
تجربة نيوزيلندا و أستراليا في الطيران عبر أنتاركتيكا:
على عكس الأرجنتين فإن تجربة الطيران النيوزيلندي و الأسترالي في الطيران عبر القطب الجنوبي لم تعمر طويلا ، أول طيران لشركة Quantas الأسترالية كان في 13 فيفري 1977 بعدها بيومين كان أول طيران لنيوزيلندا عبر القطب ثم توالت الرحلات في السنتين الموالتين لتتوقف مباشرة بعد كارثة سقوط الطائرة TE-901 التابعة للطيران النيوزلندي في 28 نوفمبر 1979 التي أدت إلى وفاة 237 مسافرا و 20 من طاقم الطائرة و هو ما أصبح يعرف بكارثة Mount Erebus.
![]() |
بقايا الرحلة 901 التي تحطمت فوق القطب الجنوبي |
التحقيقات في ما بعد أثبت أن سبب الحادثة خطأ بشري و ليس له علاقة بظروف الطيران عبر القطب لكن رغم ذلك قررت كل من نيوزيلندا و أستراليا توقيف الطيران عبر القطب الجنوبي و ذلك لصعوبة عمليات الإجلاء في حالة حدوث حوادث مشابهة في المستقبل.
ورغم توقف الطيران التجاري فوق القطب الجنوبي لأسباب إقتصادية بالنسبة للأرجنتين و أسباب متعلقة بالسلامة بالنسبة لكل من نيوزيلندا و أستراليا إلا أن الطيران لأهداف أخرى كالسياحة أو الإستكشاف العلمي لا يزال متواصلا إلى غاية يومنا هذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق